مشاركة

فيسبوك والخبث المزمن

فيسبوك كما يصفها لنا الإعلام يومياً بأنها إمبراطورية ضخمة يملكها شخص واحد , و أنها الشركة الأولى عالمياً في تقنية المعلومات و التواصل , و كغيرها من الشركات الأمريكية في مجال تقنية المعلومات شركة مساهمة و جمعت مليارات الدولارات من خلال أسهمها مما ساعدها على النمو السريع وتنويع استثماراتها لتبقى كما هي الشركة الأولى التي تمتلك معلومات كافة الشعوب , و تستفيد من كافة الشعوب .

بدأت فيسبوك في العام 2007 بموقع فيسبوك الذي روّج له مالكو  مواقع الإنترنت والمنتديات و المدونات بقصد الحصول على زوار أو بدون قصد وقضى عليهم مما تسبب في إغلاق ملايين المواقع الحوارية و ساحات الرأي و الرأي الآخر بل و جعل الكثيرين بلا دخل أو عمل ممن كانوا يحققون عوائد مالية من الإعلانات المعروضة على مواقعهم , إنجر إليه الملايين من المستخدمين و أنتهك خصوصياتهم و كان يرسل الدعوات إلى كافة المضافين في حسابات البريد الإلكتروني دون إذن من مالك الحساب , و هذا ما مكنه من النمو والانتشار السريع كالنار في الهشيم , و روّج له الإعلام على مدار الساعة و هذا ما ساهم أيضاً في حصولهم على مليارات الدولارات من الدعاية و الإعلان و الترويج للمنشورات والصفحات .

لكن فيسبوك الذي يمكّن المستخدمين كافة من عرض المحتوى دون قيود و دون إحترام للخصوصية و للمجتمعات أو حتى الأديان و سياسات الدول كان ولا يزال لا يستجيب لأي طلبات عن المحتويات المنشورة إلا نادراً , أصبح اليوم أيضاً يتحدى حتى القوانين الدولية و قوانين براءة الاختراع و قوانين العدالة , بل أنهم يتجاوزون إلى أكبر من ذلك على مبدأ أخسر مليار و أربح 5 مليار .

ومنذ بزوغ نجم فيسبوك شكّك الكثيرين في أن فيسبوك ليس موقعاً عادياً بل يدار من جهات سياسية لها علاقة بالعقليات الإستعمارية و أتهم الكثيرين أن CIA هي المالك الحقيقي أو الممول للمشروع و أن الهدف منه هو جمع معلومات كاملة عن الشعوب و المجتمعات و الحصول على عملاء جدد بطرق أكثر ذكاءاً عن الطرق التقليدية التي كانت تنهجها وكالة الإستخبارات الأمريكية و التي كانت تكلفها كثيراً نظراً لصعوبة الحصول على عملاء جدد أو جواسيس , و أعتبر آخرون أن مارك زوكربيرج ليس إلا مالكاً وهمياً , و هذا ما جعل روسيا و شرق أوروبا يستجيبون فوراً للمنصة الاجتماعية الخاصة بالشعوب الناطقة باللغة الروسية VK.com و الذي جعل فيسبوك غير مرغوباً في هذه البقعة من العالم سوى لعدد قليل جداً , لا سيما أن الروس أكثر من يقارع الولايات المتحدة و أكثر من يعرف خفاياها , و خصوصاً بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي و خراب 7 دول عربية و تهديد أمن البقية , و التهديد العلني من الحكومة الأمريكية بغزو كوريا الشمالية من خلال الإنترنت !!

 

لكن فيسبوك الذي أيقن أنه لن يدوم طويلاً مع وجود تويتر حاول و المنافس الآخر قوقل بمنتجاته الكثيرة بدأوا في صفقات الإستحواذ على تطبيقات أخرى يستخدمها الملايين حول العالم لتبقى فيسبوك قويّة كما هي مسيطرة على معلومات الشعوب و منتهكة لخصوصياتهم و تربح من وجودهم أيضاً فبدأت بالإستحواذ على إنستاغرام , ثم لاحقاً إستحوذت على واتسب , و حاولت الإستحواذ على تطبيقات أخرى في شرق آسيا و عرضت مليارات الدولارات و ما كان من مالكو هذه التطبيقات إلا الرفض , نظراً لخصوصية مجتمعاتهم أولاً و أرباحهم ثانياً .

و مع بزوغ نجم سناب شات الذي تمكن من سحب المشاهير من إنستاغرام و أنجرّ خلفه الملايين أيضاً بدأت فيسبوك فعلياً تشعر بالقلق و أصبحت تعمل على سرقة الأفكار دون إحترام للقوانين أو للمنافسين و هذه الأعمال تؤكد أن فيسبوك ولد خبيثاً و سيبقى كذلك , و يستمر مسلسل فيسبوك والخبث المزمن .

وقد يختلف معي الكثيرين حول فيسبوك على اعتباره شركة عملاقة في تقنية المعلومات و تربح مليارات الدولارات شهرياً و هذا يعتبره البعض نجاحاً , و قد يعتبر فريق آخرين بأن فيسبوك مكّن الملايين من مشاركة و نشر المحتويات دون قيود بحجة أن هذا الأمر إيجابي , و آخرون قد يدلون بدلوهم أيضاً , لكن وجهات النظر لن تتطابق إلا بين شركات تقنية المعلومات و مطوري مواقع الإنترنت و تطبيقات الهواتف , و هم أوّل من أكتوى بنار فيسبوك الذي جعلهم بلا عمل لسنوات حتى بدأت إنتشار تطبيقات أخرى جعلت فيسبوك يبدأ العد التنازلي له .

إن ما يؤلم أن كافة الشعوب تمتلك منصات خاصة بها , بل و أن بعض الدول شرعت في تقنين إستخدام تطبيقات الهواتف لما لها من انتهاكات الخصوصية للمجتمعات , إلا أن الشعوب العربية كافة لم تشجّع أي إستثمارات لشركات تقنية المعلومات , و أسس الكثيرين منصات إجتماعية لمشاركة و نشر المحتوى , و أخرى لمشاركة و نشر الصور و أخرى لنشر الفيديو لكن شح السيولة و قلة الدعم المادي و المعنوي لم يمكّنهم من تسويق و نشر مشاريعهم , و آخرين خسروا أموالهم بسبب أن صانعي القرار لم يشجعوا المستخدمين على الثقة في المنتجات المحلية.

ومن وجهة نظري أنه آن الأوان لنبدأ في محاربة التطبيقات و الشركات الأمريكية ككل و طردها من السوق المحلية سواءاً بالطرق الرسمية من سن قوانين للحد من إستخدام التطبيقات الأجنبية أو بتشجيع المشاريع المحلية و التي تساهم في تنمية قطاع تقنية المعلومات و توفير فرص عمل ضعف التي توفرها الشركات الأجنبية لمواطني كل بلد , و هذا يفيد في الحفاظ على معلومات الشعوب و خصوصية المجتمعات , لكنني لا أنصح أي مستثمر في الدخول إلى المنافسة قبل أن تبدأ الحكومات العربية في سن قوانين من شأنها الحد من التطبيقات الأجنبية حتى لا تكون الخسارة كبيرة .

 

انشر تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.